ريدة المصري اليوم
بتاريخ 6 مارس 2011
مقال الاستاذ مجد الجلاد
العدل قبل إرضاء الرأى العام..!
الأسبوع الماضى كتبت هنا مقالاً بعنوان «ساعدوا النائب العام».. وتلقيت رسائل واتصالات عديدة تؤكد ضرورة احترام سيادة القانون فى هذه المرحلة الحرجة.. ولكننى أكتب اليوم للنائب العام شخصياً، ولكل أعضاء النيابة الذين يحققون فى عشرات الآلاف من البلاغات والقضايا الحساسة..!
الثابت والمستقر فى ضمير أى مجتمع بشرى أن العدل لا يتحقق إلا بضمائر شديدة اليقظة ومتجردة من أى ضغوط أو مؤثرات من خارج الأوراق والمستندات والوقائع الثابتة.. وليس خافياً على أحد أن الأسابيع الأخيرة خلقت أجواءً من «المكارثية» والتفتيش فى كل شىء.. وهى أجواء قد يراها البعض طبيعية وصحية.. ولكن ينظر إليها كثيرون بخوف شديد على اقتصاد الدولة، وقدرة السلطات على حماية 85 مليون مصرى من الفوضى والجوع والانهيار الكامل فى الخدمات والمرافق.. فكيف تتحرك سلطات التحقيق والعدالة فى ظل هذه الأجواء، بينما هى مؤتمنة على مصير شعب كامل؟!
فى ظنى أن هذا السؤال هو مربط الفرس فى مهمة أجهزة النيابة المثقلة بملفات وبلاغات ربما تكون فوق طاقتها البشرية والذهنية والسياسية أيضاً.. وربما يدفعنى ذلك إلى توجيه هذه الرسالة إلى المستشار عبدالمجيد محمود، النائب العام، وجميع مساعديه.. إذ ليس مفيداً لمصر الوطن والبشر والأرض أن يعمل الرجل تحت ضغوط شديدة الوطأة من الشارع.. فالأمر بات يشبه من يطالب القاضى العادل بالفصل فى قضية متخمة بالأوراق والحقائق فى لمح البصر.. فلا القاضى تمكن من أداء مهمته التى يسأله الله والمجتمع عن أمانتها.. ولا هو قادر على القول: «تمهلوا.. فالعدل بحاجة إلى تمحيص وتفحيص.. وتبرئة ألف مدان خير ألف مرة من إدانة برىء واحد»..!
وفوق العدل والعدالة ثمة مصلحة وطن على شفا الانهيار.. فالقول المطلق بأن كل من عمل ويعمل بالتجارة والصناعة والاستثمار لص ينبغى قطع رقبته مخاطرة غير محسوبة على جثة مصر.. وملاحقة جميع المستثمرين بالبلاغات الكيدية وغير الموثقة ستؤدى حتماً إلى انهيار الاقتصاد المصرى، وتصاعد معدلات البطالة والفقر وإغلاق كل المصانع التى تنتج للبلد، وتستوعب عمالة بالملايين.. وفى النهاية سوف ندفع الثمن جميعاً، وسوف نصرخ من انفلات الأمن وبلطجية «الجوع» والبطون الخاوية والأيدى العاطلة عن العمل.. وقتها سوف ينتهى دور النائب العام والقضاء بعد الاستجابة لضغوط الجماهير.. وسيقبع الكثيرون فى السجون، وسيفر أكثر منهم بجلدهم من «مقصلة» محاكم التفتيش!
تعرفون أننى أكثر من هاجم الفساد والمفسدين.. ولكن ثمة قناعة كاملة بداخلى أن هناك مستثمرين ورجال صناعة شرفاء يمثلون عماد الاقتصاد المصرى.. ولا ينبغى أن نأخذ «العاطل فى الباطل».. ولا ينبغى أيضاً أن تحاول سلطات التحقيق والمحاكمة إرضاء الرأى العام بسجن الفاسدين مع الشرفاء، لأنها بذلك تقضى على 75٪ من الإنتاج والاقتصاد الوطنى..!
إننى أطالب النائب العام بالتمسك بالعدالة أكثر من إرضاء الغاضبين.. وأطالبه كذلك بتقديم كل صاحب بلاغ كاذب أو كيدى أو غير موثّق بالحقائق والمستندات إلى المحاكمة، فثمة فارق كبير بين إسقاط النظام الحاكم برموزه الفاسدة وإسقاط الدولة والوطن فى مستنقع محاكم التفتيش التى ستقودنا إلى الانهيار الكامل..!
يا سيادة النائب العام.. يا رجال القضاء: لا تنظروا من النوافذ، ولا تستمعوا لأصوات أصحاب البلاغات الكيدية التى تقدَّم لكم بـ«الكيلو».. فقط أنصتوا لصوت العدل وضعوا مصلحة مصر فوق الجميع..!