استمرت حالة الارتباك داخل وزارة الصناعة، بعد حكم محكمة الجنايات، بمعاقبة المهندس رشيد محمد رشيد، وزير الصناعة السابق، والمهندس عمر عسل، رئيس هيئة التنمية الصناعية السابق، ورجل الأعمال أحمد عز، أمين التنظيم بالحزب الوطنى «المنحل»، بالسجن والغرامة، فى قضية «تراخيص الحديد».
وقالت مصادر مسؤولة بوزارة الصناعة، إن هيئة التنمية الصناعية جمدت جميع خططها بشأن طرح رخص جديدة لإقامة مصانع لإنتاج الحديد والأسمنت، التى كان مقررا تنفيذها فى أكتوبر الجارى، وأوقفت إجراءات طرح مشروع إنتاج السكر بمحافظة بورسعيد.
وأضافت المصادر، التى طلبت عدم نشر أسمائها، فى تصريحات لـ«المصرى اليوم» أن الهيئة لم تحسم قرارها بعد بشأن شكل طرح الرخص، بعد حكم محكمة الجنايات وحيثياته، الذى اشترط منح التراخيص من خلال مزايدة وبمقابل مادى فى الوقت الذى ينص فيه قانون الصناعة، على أن التراخيص تمنح بالمجان. وتابعت أن المسؤولين فى الوزارة يعانون حالة تخبط وارتباك منذ صدور الحكم، بين منح التراخيص الجديدة من خلال مزايدة علنية بمقابل مادى أو بالمجان، أوالتوقف تماما عن الترخيص، لحين قضاء محكمة النقض فى الطعن الذى سيقدمه المحكوم عليهم، الذين يقوم محاموهم بتجميع الأدلة اللازمة على براءة موكليهم، ومنها وثائق ومحاضر المجلس الأعلى للطاقة ولجنة البت والأمانة الفنية المختصة بمراجعة شروط منح التراخيص، وكل ما يفيد فى تبرئتهم، بما فى ذلك كشف ما انطوت عليه الحيثيات من فساد الاستدلال والخطأ فى تطبيق القانون.
فى السياق نفسه، حصلت «المصرى اليوم»، على صورة من وثيقة محضر الاجتماع الثانى للجنة البت فى الطلبات المقدمة من الشركات الراغبة فى إقامة مشروعات الحديد، المشكلة بالقرار الوزارى رقم 894 لعام 2007.
ذكرت الوثيقة أن اللجنة اجتمعت يوم 11 ديسمبر 2007، برئاسة المهندس عمرو عسل، رئيس هيئة التنمية الصناعية، وعضوية أحمد أبوزيد، مساعد وزير الاستثمار، وإيزيس أيوب رزق الله، الأمانة العامة للإدارة المحلية، وعمر الشوادفى، مدير مركز استخدامات أراضى الدولة، ونبيل على زكى، ممثلا عن وزارة البترول، وإبراهيم طنطاوى، ممثلا لوزارة الكهرباء، وممدوح محمود عيسى، مركز بحوث وتطوير الفلزات، وحافظ عبدالعظيم، الأستاذ بجامعة القاهرة، ومحسن كلوب، وشاكر أنور، المستشارين بمجلس الدولة، وأحمد الفرارجى، رئيس الإدارة المركزية للخدمات الصناعية، ورؤوف فرج، رئيس الإدارة المركزية للمخطط الصناعى، ونبيل الصغير، مدير عام المكتب الفنى لرئيس الهيئة، ونبيل الصغير، مدير عام المكتب الفنى لرئيس الهيئة، وطارق الطويل، القائم بأعمال رئيس إدارة بحوث وتخطيط استخدامات أراضى الدولة بالمركز الوطنى.
وتضمنت الوثيقة انضمام عمرو طلعت، نائب رئيس الهيئة، وهم الحارونى، مساعد رئيس الهيئة، وأنور عبدالرحمن زاهر، رئيس الإدارة المركزية للشؤون المالية والإدارية، إلى اجتماع اللجنة.
كانت محكمة جنايات الجيزة، عاقبت «رشيد وعز وعسل»، بالسجن المشدد ورد أموال وغرامات، وعلمت «المصرى اليوم» أن دفاع «رشيد وعسل» يولى محضر اجتماع اللجنة أهمية خاصة، وسيقدمون صورة من محضر اللجنة وآخر من محضر لجنة مراجعة إجراءات الموافقة على مشاريع الحديد، الذى تضمن عدم منح التراخيص لشركة «حديد عز»، إلا بعد تقديمها كل ما يفيد بتنازلها عن إقامة مشروعها بنظام المناطق الحرة العامة والخاصة.
وقالت مصادر مسؤولة بوزارة الصناعة، إن مستقبل منح التراخيص لن يتضح إلا بصدور حكم المحكمة الإدارية العليا فى الطعون المقدمة أمامها، من شركات أسمنت كانت حصلت على التراخيص بمقابل وطالبت باسترداده.
من جانبها، أوفدت شركة «يونيلفر العالمية» عدة محامين لمتابعة تحقيقات جهاز الكسب غير المشروع، مع «رشيد» بشأن منح دعم صادرات غير مستحق للشركة، للتأكد من أن شركتها بمصر اتخذت الإجراءات الصحيحة ولم تخالف القانون، ولم تفرط فى نفس الوقت على حقها فى الحصول على الدعم المقرر قانونا.
وقالت مصادر مطلعة إن الشركة كانت تحصل على دعم قبل تولى «رشيد» الوزارة ولم يتم اتهامها من قبل بارتكاب مخالفات، وأن الشركة العالمية يهمها أن يحافظ الفرع المصرى على مستوى صادراته، لضمان استمرار حصوله على الدعم.
وأضافت المصادر أن الشركة تأكدت من سلامة موقف الفرع من خبراء وزارة العدل المعنيين، والشركة مشغولة بكونها صاحبة الأغلبية فى «يونيليفر مصر» قبل اهتمامها بقضية التراخيص المتهم فيها «رشيد»، على أساس أن الأخير كان قد تخارج من شراكات معها وترك منصبه كرئيس مجلس إدارة «يونيليفر مصر»، بعد توليه الوزارة.
وتابعت أن المستشار القانونى للمجموعة العالمية ومقرها لندن، طلب صورة مترجمة معتمدة من حكم محكمة الجنايات ضد «رشيد»، وحيثياته فى قضية تراخيص الحديد لدراسته.
وألمحت «يونيليفر» إلى أنها مستمرة فى ارتباطاتها مع «رشيد» وأنها طبقا للأعراف لن تحدد موقفا إزاء ذلك إلا بعد صدور حكم نهائى بات فى القضية، وأنه من حق «رشيد»، الذى تمت محاكمته غيابيا، طلب إعادة المحاكمة إذا حضر وسلم نفسه.
وكان اللواء إسماعيل النجدى، رئيس هيئة التنمية الصناعية، قد قال فى تصريحات سابقة إنه سيتم منح الرخص مجانا، وأن الحكومة ستشترط على المستثمر توفير الطاقة ذاتيا، دون الحصول عليها من الحكومة.
فى المقابل، شدد الدكتور محمود عيسى، وزير الصناعة والتجارة الخارجية، فى تصريحات خاصة لـ«المصرى اليوم» على أن طرح رخص مجانية للأسمنت والحديد يخالف القرار الوزارى السابق بتنظيم إصدار الرخص فى القطاعين السابقين، ما يستلزم تعديله أو إلغاءه، حال إقرار الحكومة منح رخص مجانية دون طاقة.
وأضاف أنه ملتزم بقرار «رشيد» السابق بمنح الرخص بالمزايدة، لأنه من غير المعقول أن يعدله فى الوقت الذى تحتاج فيه الخزانة العامة إلى موارد، وتابع أنه لن يتم منح طاقة لمصانع الحديد الجديدة، ما يعنى أنها هى التى ستدبر احتياجاتها، وبالتالى لن يكون هناك مجال للمزايدات، لان أساس المزايدة كان على الطاقة.
قالت مصادر قانونية بوزارة الصناعة، إن حكم محكمة الجنايات فى قضية «تراخيص الحديد» جعل القاعدة هى منح الرخص من خلال المزايدات، رغم أن القانون الحالى لتنظيم الصناعة ينص على أن الرخص تمنح بسعر 2 جنيه فقط لأى مستثمر، وهو ما اعتمدت عليه بعض شركات الأسمنت فى الحصول على أحكام من محكمة القضاء الإدارى، ضد هيئة التنمية الصناعية، ببطلان المزايدات ورد قيمة الرخص للمستثمرين.
وطالبت بالإسراع بإصدار قانون جديد للصناعة، يتضمن تنظيم طرح الرخص الصناعية بنظام المزايدة فى بعض الحالات الاستثنائية، مثل ندرة الطاقة المتاحة أو المواد الخام مع وجود تزاحم من المستثمرين على طلب مثل تلك الرخص.
وشددت المصادر على أن المزايدة وفقا للقرار الوزارى الصادر من «رشيد» كان الهدف منها تحقيق تكافؤ الفرص بين الشركات، حسب احتياجات كل رخصة من الغاز اللازم والطاقة الكهربائية فى ظل العجز المتاح من جانب وزارتى البترول والكهرباء عن تلبية احتياجات الشركات المتقدمة.
وأوضحت المصادر أن ذلك هو ما تم تنفيذه فى الأسمنت، إلا أنه عند طرح رخص الحديد للشركات المحلية أرسلت وزارة البترول إلى وزارة الصناعة، خطابا بتاريخ 30 ديسمبر 2007، تؤكد فيه صدور قرار من وزير البترول بتوفير الطاقة المطلوبة لمشروعات الحديد وبذلك أصبحت الحاجة إلى إجراء المزايدة غير قائمة.
وحصلت «المصرى اليوم»، على صورة من خطاب أمين عام مجلس الوزراء إلى «رشيد» فى فبراير 2008، وقال نص الخطاب إنه «بشأن المذكرة رقم 753 المؤرخة 22 يناير 2008 بشأن تنفيذ قرارات المجلس الأعلى للطاقة والمتضمنة المحددات العامة لخطة الدولة للتنمية الصناعية فيما يتعلق بصناعة الحديد والصلب، يرجى التفضل بالإحاطة بأن رئيس الوزراء وجه تعليمات بأن يراعى بيع الغاز لهذه الصناعات بالسعر العالمى الحر، وتمت كتابة ذلك إلى المهندس وزير البترول»، ما يعنى أن آخر سبب لمنح التراخيص بالمزايدة وفقا لدفاع «عسل ورشيد» انتفى هو الآخر.
وعلمت «المصرى اليوم» أن الدكتور عصام شرف، رئيس الوزراء، كلف مجموعة من كبار المستشارين لإيجاد معالجة قانونية لمشكلة تراخيص الحديد، وقال المستشار علاء قطب، نائب رئيس مجلس الدولة، إن الموقف قد يظل معلقا حتى تفصل محكمتا النقض والإدارية العليا فى القضايا المرتبطة، وألمح إلى أن هناك من اقترح إيجاد معالجة تشبه ما جرى مع مشروع مدينتى، لكنه لم يفصح عن الإطار الذى تتم فيه مناقشة ذلك أو أى تفاصيل أخرى.
وقال تامر أبوبكر، رئيس لجنة الطاقة باتحاد الصناعات، إن هناك عدة خطوات على الحكومة أن تقوم بها، قبل التفكير فى طرح رخص جديدة، مؤكدا أن توجه الحكومة لطرح رخص خلال الوقت الحالى بشرط توفير الطاقة ذاتيا، أمر غير مفهوم، خاصة أن البدء فى استيراد الطاقة يستلزم 3 سنوات على أقل تقدير. وأضاف أنه يجب على الحكومة الإعلان بشكل واضح وسريع عن خطوات استيراد الغاز والتعديلات القانونية المطلوبة لمشاركة القطاع الخاص، على أن يصاحبها فى الوقت نفسه، البدء فى تحرير أسعار الطاقة للصناعة بشكل تدريجى حتى يتساوى السعر من الحكومة وسعر الاستيراد، مشيرا إلى ضرورة دخول الحكومة كشريك فى عملية الاستيراد مع القطاع الخاص فى مراحله الأولى.
وشدد على أن توفير الطاقة بالاستيراد، يقضى على فكرة المزايدات على الرخص مرة أخرى، وأكد عدم اقتناعه بهذا الأسلوب كوسيلة للاختيار بين الشركات.
وقال زكى بسيونى، رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية، إنه «لا يوجد شىء اسمه منح رخص للمستثمرين بفلوس، لأن هذا الأسلوب دمر الاقتصاد واستمرار تطبيقه فى ظل الظروف الحالية، يؤدى لتطفيش المستثمرين الأجانب والمحليين».