نقلاً عن العدد اليومى
أثار حكم محكمة الجنايات بشأن مخالفات بعض مصانع الحديد، إلى الأذهان الأزمات التى سادت بسبب سطوة أحمد عز ومخالفاته ومساندته لبعض المصانع وهو ما أدى لتراجع صناعة الحديد واتساع الاحتكار الذى جعله «عز» قانوناً رسمياً.
الحكم الذى صدر بحبس عز ورد رخص بعض مصانع الحديد لحصولها على رخص مجانية حسم أمرًا كان معلقًا، وقد فتحت فى «اليوم السابع» هذا الملف الشائك منذ شهور وقبل ثورة يناير، وفى أكثر من تحقيق مضى أكدت أن الدولة تكيل بمكيالين وأنها لا تساوى بين من دفع الرخصة بقيمتها القانونية كاملة وبين من لم يدفع مليمًا، وبح صوتنا بعد أن قدمنا الوثائق وأكدت أننا لسنا مع طرف ضد آخر ولا يهمنا سوى مصلحة الوطن، واليوم وقد حكمت محكمة الجنايات هذا الحكم التاريخى الذى فتح ملف الصناعة المصرية بعد الثورة، وكان واضحاً ضد مجموعة من مصانع الحديد وقرار رد الرخصة الممنوحة للشركة المصرية للحديد الإسفنجى «بشاى» ناقشته فى أكثر من تحقيق وقلت إن «بشاى» بدأ فى إنشاء مصنعه الجديد بطاقه مليون و300 ألف طن بدون دفع قيمة الترخيص التى قدرت بنحو 400 مليون جنيه وهو ثمن الرخصة المقررة له، وبهذا يزداد الفساد فساداً، والمدهش أن البناء فى المصنع وأعمال التركيبات فى المصانع المخالفة مستمرة أيضاً، وكأن البلاغات التى تم تقديمها إلى النائب العام وإلى المسؤولين كانت حبرًا على ورق.
كنا نسأل عمن يحمى «بشاى» ولعل هذا السؤال الذى تحول إلى لغز أصبح سائدًا فى الأوساط الاقتصادية، بعد أن استبدت الدهشة بالجميع ورغم أن النائب العام تلقى خمسة بلاغات ضد بشاى فإن بشاى كان مستمرًا.. ولم ينظر أحد إلى البلاغات المقدمة إلى النائب العام وإلى المسؤولين ذوى الشأن.. وكأن كل ما يقال مجرد صراخ فى الهواء.. وطرحنا سؤالاً عن كيف تم التصريح بدخول هذا المصنع غير المرخص أرض الوطن؟! والمفترض أن يكون قد سدد رسوماً للجمارك بنسبة 5 ٪، إذا كان المصنع غير مرخص ودخل الأرض المصرية باعتباره قطع غيار ففى هذه الحالة المفترض أن يسدد جمارك بنسبة 20 ٪ وكلتا الحالتين لم تحدث فى أرض الواقع.. وفى كلتا الحالتين أيضاً يعتبر بشاى مرتكباً لجريمة التهرب الجمركى.. وقد أشرنا بالمستندات والوثائق إلى من يحمى بشاى فى أيام ما قبل الثورة.. وأشرنا أيضاً إلى الوزير الهارب يوسف بطرس غالى مساندًا له.. فقد سهل له الكثير من الإجراءات وتستر عليه فى كثير من الأوراق والتسهيلات المختلفة.
إلا أننى فوجئت بسلبية وزير الصناعة والتجارة الدكتور محمود عيسى.. أثناء مداخلته فى برنامج «ممكن» على قناة C.B.C للإعلامى المتميز خيرى رمضان، كنت أتوقع أن يكون الوزير أكثر دقة وأكثر موضوعية وحزمًا لأن القضية أكبر من أشخاص، هى قضية هيبة دولة.. وهذه هذ أموال الدولة التى هى أموال الشعب فى النهاية.. ولم يعد هناك وقت للتأجيل أو المهادنة.
البرنامج وضع النقط فوق الحروف.. وكان خيرى رمضان محايداً وباحثاً بدقة فى كل التفاصيل.. انكشفت حقائق كنا أيضاً قد كتبنا عنها وهى كم البلاغات المقدمة من بعض الشركات ضد شركات أخرى.. وعرفنا من حوار المهندس رفيق الضو نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة السويس للصلب، ما يؤكد صحة ما قلناه، فقد تقدم ببلاغ ضد بشاى لا يزال سارياً حول المخالفات الواضحة، والحقيقة أن الضو تحدث بحكمة واضحة لأنه احترم القانون وقال: لا تعقيب منى على حكم محكمة الجنايات.. وإننى أحتكم للحكم النهائى فى سداد ثمن الرخص، ولكن أدهشنى تعليقه على أن أحمد أبوهشيمة دفع قيمة الرخصة 47 مليون جنيه وأنها من الحصص الصغيرة.. وهذا كلام غير منطقى.. فالحصص الكبيرة فى المصانع مثل الصغيرة.. والواضح أن هناك لوبى لا يزال يسيطر على الساحة وعناصره لم تخلع بعد، بل إن هناك تكتلات اقتصادية من مصلحتها استمرار الوضع كما كان سائدًا، ولهذا فلابد للدولة أن تنتبه لذلك، فقد حذرنا كثيراً من ذلك، وما زلنا ننتظر قرار النائب العام.. لأن القضية كبيرة وتمس الوطن كله.. أما هذه المبررات التى خرجت من بعض المخالفين بأن عدم دفع قيمة الرخص كان بسبب التوقيت، فهذه مبررات لا معنى لها.. فكيف يدفع رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة ورجل الأعمال محمد المراكبى وشركة بورسعيد والشركة الهندية «ميتال» قيمة الرخصة المطلوبة بالقانون كاملة.. بينما لم يدفع الآخرون؟!.. والسبب الذى يمكن أن نعلنه عليهم هو أنهم كانوا يحتمون فى أحمد عز.. واليوم مصر فى ثورة.. وأحمد عز فى السجن.. فلم يعد خلفهم من كان يساندهم ومن كان يسهل لهم.. ومن كان يسيرون على خطاه، لأن مخالفاتهم هى نفس مخالفاته، وخاصة مخالفات «بشاى» التى تكلمنا عنها بالمستندات وهو نفس الموقف الذى حوكم أحمد عز من أجله.. وأقول أيضاً إن موقف خليل قنديل رئيس غرفة الصناعات لم يكن إيجابياً.. بل كان مذبذباً وغير حاسم وأعاد إلى الذهن موقف الدولة التى تكيل بمكيالين ولا تتعامل بالطرق الشرعية وتقدير القانون وموقف الدكتور محمود عيسى وزير الصناعة والتجارة الذى لم يحسم ، وهو لم يجب عن القضايا المعلقة.. فهم يتحدثون عن أن قيمة الرخص اختلفت.. باختلاف توقيت الدفع.. وهى حجج واهية لا معنى لها.. فعن أى توقيت يتحدثون اليوم ونحن ننتصر بحكم محكمة الجنايات ننتظر تنفيذ الأحكام سريعاً وإعادة الأموال إلى الدولة.. وإصلاح الأحوال التى أدت على مدى الوقت إلى إهدار المال العام.. لأن الجميع يجب أن يتأكد أن زمن أحمد عز مضى ولن يعود وأن «عزبة» أحمد عز ولت.. ونحن نهدى الدكتور عبدالمجيد محمود النائب العام.. هذه الوقائع مرة أخرى.. وننتظر منه - رغم الأعباء التى يتحملها - أن يسرع فى اتخاذ قرارات عادلة تضع النقاط على الحروف وتؤكد للمجتمع أننا أصبحنا نسير على خطا دولة مؤسسات ذات سيادة وقانون وهيبة، وأن القانون فيها للجميع، وأن زمن الكيل بمكيالين قد انتهى إلى غير رجعة!!.